في المستشفى!

في المستشفى!

مدحت نافع

مدحت نافع

02 فبراير 2018

 

عادة لا أفضل تخصيص مقالاتي لسرد تجربة شخصية. يستثنى من هذه القاعدة انعكاس تلك التجربة على عدد كبير من مشاهدات واقعنا المعيش، وتأثر قطاعات كبيرة من المجتمع بأشباه تجاربنا الشخصية ذات الأثر المحدود.

 

بالأمس كنت في المستشفى لإدخال مريض عزيز قسم الطوارئ بمستشفى استثماري شهير على طريق الواحات بمدينة السادس من أكتوبر. في البداية راودتني تجارب سيئة اشتهر به هذا المستشفى في وسائل الإعلام حينما تسبب بإهماله الجسيم في وفاة أحد العاملين بمدينة الإنتاج الإعلامى، لكن سرعان ما دفعت تلك الظنون دفعاً من مخيلتي بعدما أكد لى المريض العزيز أن بانتظاره طبيب يعرفه وأن المطلوب مجرد فحوصات عادية وإقامة بضع ساعات في غرفة العناية المركزة ريثما تتبين طبيعة الحالة ويتم الانتقال صبيحة اليوم التالي.


في الاستقبال كان المشهد شديد التشابه مع فيلم "واحد صفر" الذي انشغل في أشهر مشاهده المؤسفة طاقم المستشفى بمتابعة مباراة كرة قدم، لكن هذه المرة وبخلاف الفيلم كانت مباراة لنادي محلي وليس للمنتخب! الحديث مع أطباء الطوارئ قليلي العدد والمسئولية فضلاً عن طاقم الموظفين الإداريين لم يتوقف لحظة عن المقابل المادي للدخول والتأمين المطلوب! لولا استقرار الحالة الصحية للمريض العزيز ودخوله المستشفى بفضل الله على قدميه لتسبب هذا الإلحاح الدنيء على تحصيل النقود في إرباكى واستفزازي بسرعة، لكن الله سلّم.

 

مضت الليلة بصعوبات غير مفهومة رغم سرعة السداد النقدي، وبغير اكتراث من دخول المريض الى غرفة العناية الفائقة بصحبة ذويه، ربما لأن المبلغ المالي قد تم سداده بسلام! ليس ثمة مسئول عن أي شئ، عليك أن تبحث عن شخص جدير بأن تتحدث اليه ولولا أهمية المريض وحيثيته الاجتماعية لكانت مهمة التواصل مع أى شخص لتلقى معلومة واحدة صائبة ضرباً من المستحيل. كل ما جال بخاطري هو حقوق المرضى الذين لا حيلة لهم ولا سند من حصانة أو تقدير اجتماعى خاص، أعانهم الله على هؤلاء.


الأزمة الحقيقية بدأت في اليوم التالي عند الخروج من الفندق (أقصد المستشفى) نفس عدم الاكتراث والسماجة سيطرت على طاقم وردية الصباح. زاد على ذلك تلكؤ غير مبرر ولا مفهوم لإنهاء إجراءات الخروج، كنت معنياً بالتقرير الطبي والجميع لا يتحدثون سوى عن إنهاء الأوراق مع الحسابات!

 

لم تمض سوى ساعات الليل حتى صارت الفاتورة بعدة آلاف لكنني لم أجادل ولم أنبس ببنت شفه وأنا أرقب مغتاظاً موظف الحسابات اللزج وهو يمطرني بدعوات تشبه كثيراً حيل الباعة الجائلين في إشارات المرور المزدحمة! الموظف الذي لا يوجد أمامه غير عميل واحد يستغرق وقتاً طويلاً في التعامل مع لوحة مفاتيح جهاز الحاسب الآلي، يبرز لي صعوبات جمة تواجهه في التعامل مع الفاتورة العملاقة التي استحقت على المريض لمجرد حصوله على الأسبرين وتحليل أنزيمات!! ثم هو يبرز الجهد الخارق الذي يبذله من أجل عيوني عساني أبرز بدوري نفحة ترضيه عن عمله الشاق!


أخيراً صدرت الفاتورة واكتشفت أثناء تسويتها أنهم تقاضوا مبلغاً إضافياً من صديق آخر للمريض دون علمي! وبعد صدورها وجدتها خالية من أي ختم أو حتى توقيع! ووجدت الحساب الذي أصررت على طباعته مفصلاً على مضض وامتعاض من موظف الاستقبال مشتملاً على إقامة يومين كاملين وأن هناك مبلغاً مستحقاً كبيراً غير مسدد!

 

لولا حرصي على التدقيق واهتمام أفراد آخرين من عائلة وأصدقاء المريض بعملية تجهيزه ونقله لفاتني بشكل مؤكد أن أنظر في الأوراق المزيفة التي بحوزتي من الحسابات والاستقبال. موظف الاستقبال غير آسف على الخطأ لكنه يصر على مسئولية الحسابات عن طباعة التفاصيل، وبعد أن تحركت سيارة الأسعاف بمريضنا ظل الموظف السمج يماطل ويتحدث بأسلوب رقيع في الهاتف حتى اشتعل غضبي وصحت في وجهه..عندئذ تغير كل شئ وهرع الجميع نحوى لمرضاتى حتى أهدأ، ونزل موظف الحسابات من برجه العالى وجاء ومعه كافة الإيصالات ممهورة بخاتم المستشفى وتوقيعه الخاص. ولما سكت عني الغضب أخذت الأوراق وفي نسختها تفاصيل أسخف من الموظفين الذين أصدروها.


آن للجهات الرقابية التي تكافح الفساد أن تنظر بعين الاعتبار إلى تلك الفنادق الرديئة التي تضع لافتة المستشفى! آن للمريض أياً كانت ملاءته المالية ورصيده من المكانة الاجتماعية أن يحصل على حقه الإنساني في الحصول على الرعاية الطبية والاهتمام بحالته حتى يشعر بأنه إنسان.